بلغ المشهد السينمائي السعودي خلال عام 2025 مرحلة من التبلور الفني والتنوع الثقافي الذي يعكس عمق التحولات الاجتماعية والفكرية في المملكة. لم تعد الشاشة الكبيرة مجرد فضاء للعرض والترفيه، بل تحوّلت إلى منصة رصينة لتفكيك الواقع الاجتماعي واستكشاف الأعماق النفسية للإنسان السعودي، مقدمّة سردًا متقنًا يجمع بين الوعي الفني والبعد الثقافي.
تباينت الأعمال بين دراما واقعية تشقّ طريقها إلى وجدان المشاهد، وإثارة نفسية تنقب عن تناقضات الوعي الإنساني، وكوميديا اجتماعية ترصد بمهارة صور المجتمع في لحظات التفنن اليومي، وصولًا إلى أعمال تاريخية وثقافية تعيد قراءة الذاكرة الوطنية بصياغة محكمة.
ويعكس هذا التنوع اتساع الرؤية الفنية وصقل التجربة السينمائية المحلية، مستندة إلى رؤية جيل من صانعي الأفلام الشباب الذين يمتلكون أدوات سردية متقدمة وجرأة في الطرح، ما يجعل كل عمل نافذة على الواقع، ومجسّدًا للهوية، ومرآة للتجربة الإنسانية. في هذا المقال، نسلط الضوء على خمسة أفلام سعودية بارزة صدرت مؤخرًا، شكّلت محطات مفصلية في مسيرة السينما الوطنية، وأكدت أن صناعة الأفلام في المملكة تجاوزت مرحلة التجربة لتبلغ أفق التميّز والاحتراف، وتفرض حضورها على خارطة السينما العربية والدولية.
أفضل (5) أفلام سعودية جديدة 2025:
فخر السويدي
تُبرز تجربة فيلم «فخر السويدي» أحد أبرز محطات السينما السعودية، ضمن سلسلة أفلام سعودية جديدة 2025، مقدّمًا رؤية فنية متقنة للبيئة المدرسية في العاصمة الرياض، حيث تتحول المدرسة من مجرد فضاء تعليمي إلى مسرح متكامل للأحداث الكوميدية والاجتماعية. يقوم الفيلم على سرد دقيق ومتماسك، ينسج بين الواقعية اليومية والمفارقة الفكاهية، في إطار يقدّم تجربة متميزة لجيل المراهقين، مع إتاحة الفرصة لاستكشاف التباين النفسي والاجتماعي بين الطلاب.

تتركز الأحداث حول مدير المدرسة «شاهين»، الذي يجسده فهد المطيري، الطموح والساذج في آن واحد، ويسعى لإثبات تميز مؤسسته التعليمية عبر إنشاء «الفصل الشرعي»، وهو فصل دراسي يتميز بطابع مختلف عن بقية الفصول، ويتيح مساحة للتجريب والابتكار في العملية التعليمية. يتقاطع مسار «شاهين» مع شخصيات طلابية متنوعة، أبرزها: «زياد» العائد من الولايات المتحدة بعقلية منفتحة، و«مازن» السريع الانفعال والتمرد، و«سعيد» الطالب الملتزم الطموح، ما يولّد شبكة من المواقف الكوميدية التي تنبع من التباين في الطبائع والخلفيات الاجتماعية، وتعكس بعمق تحديات الأجيال الشابة في بيئة مدرسية تشهد تحولات متواصلة.
ولا يتوقف الصراع على الطلاب فحسب، بل يمتد إلى إدارة المدرسة، حيث يظهر التوتر البنّاء بين «شاهين» وشقيقه مالك، الشخصية الجادة والرسمية، في معادلة متقنة تجمع بين التجريب والالتزام المؤسسي، وتبرز مدى قدرة الأفراد على الموازنة بين الطموح الشخصي ومتطلبات الانضباط الإداري.
من الناحية الفنية، يعتمد الفيلم على لغة إخراجية بصرية رصينة، مع أسلوب سردي يمزج بين الواقعية والديناميكية، وإيقاع متسارع يحافظ على تفاعل المشاهد، ما يتيح له الغوص في تفاصيل الحياة المدرسية الدقيقة، والتقاط التفاعلات الاجتماعية والهوية الثقافية للشباب بطريقة متقنة، بعيدًا عن المبالغة أو السطحية
شباب البومب 2
يتراءى فيلم “شباب البومب 2” كواحد من أبرز أفلام سعودية جديدة 2025، تجربة سينمائية متكاملة تتقاطع فيها الكوميديا مع الأكشن والإثارة ضمن سياق سردي متماسك، يعكس حسًّا فنيًا متقدمًا في صياغة الشخصيات وبناء الأحداث. يتصدّر «عامر» أحداث الفيلم، الشخصية المحورية التي تتسم بالشجاعة والإبداع، ويقف إلى جانبه «ياسر»، الذي يتمكن بفطنة وحنكة من تحويل الأزمات إلى فرص، لتتقاطع تصرفات الشخصيات مع مواقف عصابة مكوّنة من أربعين شابًا طائشًا، في توليفة درامية فريدة تنسج التوتر والكوميديا معًا بانسيابية متقنة.

تتجلّى براعة النص في إبراز الطيف النفسي والاجتماعي للشباب السعودي، عبر شخصيات متعددة الأبعاد، منها فيصل العيسى، محمد الدوسري، عبد العزيز الفريحي، سلمان المقيطيب، مهند الجميلي، عبد العزيز برناوي، وفيصل المسيعيد، الذين جسّدوا تباينات الطبائع والسلوكيات بأسلوب يمزج بين الواقعية الطريفة والصراع الداخلي، ما يمنح كل شخصية بعدًا إنسانيًا متفردًا.
وعلى مستوى البنية الإخراجية، نجح حازم فودة في خلق إيقاع بصري متوازن يجمع بين المشاهد الأكشنية والكوميديا الموقفية، مستفيدًا من أسلوب تأليفي دقيق صاغه عبد الله الوليدي وأحمد الزهراني، حيث تتشابك الأحداث ضمن سردية متدرجة تحافظ على تصاعد التوتر وتفاعل المشاهد، ما يجعل كل مشهد حلقة متكاملة في تسلسل درامي محسوب.
ويستند الفيلم إلى إرث الجزء الأول من سلسلة «شباب البومب»، الذي حقق حضورًا جماهيريًا استثنائيًا، واحتل مكانة مرموقة ضمن أعلى الإيرادات في شباك التذاكر السعودي لعام 2024، محققًا 26.6 مليون ريال عبر 632.6 ألف تذكرة، وممتدًا على مدار 22 أسبوعًا، ليؤكد قدرة السينما السعودية على الجمع بين الطموح الفني والانجذاب الجماهيري.
إسعاف
في خضم اتساع دائرة الكوميديا السعودية وتنامي حضورها على الساحة السينمائية، يبرز فيلم “إسعاف” كأحد أبرز الأفلام السعودية، مقدّمًا تجربة سينمائية متقنة، تمزج بين الكوميديا القائمة على المفارقة الاجتماعية، والإثارة المترابطة، ضمن سردية متماسكة تعتمد على تدرج الأحداث وتطور الشخصيات. يمثل الفيلم محطة فارقة في تاريخ السينما المحلية، إذ يُعرض لأول مرة بتقنية IMAX، ما يعكس الطموح التقني المصاحب للمعالجة الدرامية المحكمة.
تدور أحداث الفيلم في شوارع الرياض، حيث يتقاطع مسار شخصيتي “عمر” (إبراهيم الحجاج) و”خالد” (محمد القحطاني)، العاملين في مجال الإسعاف، في سلسلة من المواقف الطارئة والمفارقات الكوميدية. يقوم جوهر الكوميديا على الثنائية المتناقضة بين “عمر” العفوي الاندفاعي، و”خالد” الصارم المراقب، وهي بنية مألوفة في السينما العالمية تحت مسمى Buddy Duo أو ثنائية الشخصيتين المتناقضتين، ما يولّد ارتباكًا فكاهيًا مستمرًا ويمنح الحبكة ديناميكية متسارعة.

وتتعمّق الأحداث مع ظهور شخصية “لينا” (بسمة داوود)، التي تبدو في البداية ضحية محتجزة، غير أنها العقل المدبّر لاستدراج “عمر”، ما يعزز بنية البطل الساذج النبيل، الشخصية التي تتسم بالطيبة الفطرية والعفوية التلقائية، وتخلق حالة من التعاطف مع الجمهور، بينما تتصاعد المفارقات حوله.
ويستند الفيلم إلى عنصر سردي أساسي يُعرف بـ”الدافع المركزي الخفي”، المتمثل في حقيبة غامضة تربط الشخصيات ببعضها، وتشكّل محور تصاعد الأحداث، فتتحقق المفارقة المعرفية حين يدرك المشاهد أهمية الحقيبة بينما يظل البطل عاجزًا عن فهم ما يجري، ما يولّد ضحكًا قائمًا على التباين بين المعرفة والفعل.
يبرز الأداء التمثيلي لإبراهيم الحجاج في صياغة اللحظة الكوميدية عبر التفاعلات الجسدية، تعابير الوجه، ونبرة الصوت، فيما يقوم محمد القحطاني بدور الصديق الحذر الذي يعكس النظام والصرامة، ليكتمل الإيقاع الكوميدي ضمن بنية Clown/Straight Man Duo. ويضم الفيلم شخصيات داعمة لافتة مثل فهد البتيري، حسن عسيري، نيرمين محسن، لطيفة المقرن، مع مشاركة شرفية للنجم المصري أحمد فهمي، ما يضفي على العمل عمقًا وتنوعًا تمثيليًا متسقًا مع الطابع المحلي.
وتؤدي مدينة الرياض دور عنصر سردي محوري، حيث تتحول شوارعها وضواحيها إلى مسرح متحرك لمطاردة خفية تتعقّد مساراتها دون أن يعي البطلان، فتتضافر الملاحقات والصراعات لتولّد إيقاعًا متسارعًا ومتواصلًا، وتصبح السيارة مساحة ديناميكية تتفاعل فيها الأحداث في كل لحظة، متشابكة مع الحبكة والزمان والمكان.
تصفح أيضاً: أفضل أفلام عربية كوميدية 2024 حازت على إعجاب الجمهور
سلمى وقمر
في رحاب السينما السعودية المعاصرة، يبرز فيلم “سلمى وقمر” كتجربة درامية رصينة، تفيض بالطبقات النفسية والاجتماعية، حيث تتقاطع الحياة الشخصية مع الروابط الإنسانية في سياق سردي دقيق، مستعرضًا العلاقة العميقة بين فتاة صغيرة وسائقها، الذي يتحوّل إلى عنصر محوري في بناء عالمها النفسي والاجتماعي.
تنطلق الأحداث في جدة عام 1987، ثم تتقدم إلى منتصف التسعينات، مستحضرة تفاصيل الحياة الاجتماعية والثقافية لتلك الفترة، من نمط العلاقات، إلى أسلوب التواصل عبر الهواتف الأرضية، وصولًا إلى الموسيقى والأزياء التي ميّزت الحقبة. تؤدي رولا دخيل الله دور سلمى، الفتاة الذكية الطموحة، التي يغيب والدها عنها، فتجد في شخصية قمر (مصطفى شحاته) الأب الروحي البديل، المانح للأمان والمساند في محطات حياتها الحرجة، ما يخلق دينامية عاطفية متفردة تمزج بين الحنان والمسؤولية، وتبرز قيمة الروابط الإنسانية بما يتجاوز الإطار الوظيفي التقليدي.

لا يكتفي الفيلم بسرد قصة شخصياته فحسب، بل يحوّل مدينة جدة إلى عنصر سردي حيوي، حيث تُستثمر المواقع التاريخية والمعمارية، بدءًا من منزل سلمى في متحف عبد الرؤوف خليل، إلى كورنيش المدينة والشوارع المزدحمة، لتشكّل الخلفية الزمنية والمكانية سياقًا متكاملًا يعكس التفاعل بين المكان والزمن، ويمنح المشاهد إحساسًا بالحنين والواقعية معًا.
تتجلى براعة المخرجة عهد كامل في تحويل القصة الحقيقية إلى سرد سينمائي نابض بالمشاعر، مستندة إلى تجربة السائق محيي الدين، الذي جمعته ذكريات الطفولة معها، ما أضفى على العمل صدقًا متوهجًا، وأتاح للجمهور الانغماس في رحلة الشخصيات بين الحنين والواقع، بما يرسّخ مشاعر التعاطف والتواصل الإنساني.
كما يزخر الفيلم بلحظات كوميدية إنسانية صرفة، تولّد من التفاعل التلقائي بين سلمى وقمر، مثل مشهد السيارة الذي يتحدث فيه قمر مع سلمى عن نكهة المثلجات المفضلة لديها، فتختار “قمر الدين”، لتتحول إلى لحظة ضاحكة طبيعية تنبع من الحياة اليومية، بعيدًا عن المصطلحات المصطنعة أو الفكاهة السطحية، وتبرهن على الصدق في التعبير الفني.
هوبال
ينفتح فيلم «هوبال» على لحظة مفصلية في تاريخ الخليج العربي، مع اندلاع حرب الخليج الثانية عام 1990، ليضع المشاهد أمام دراسة درامية للهيمنة النفسية والاجتماعية داخل الأسرة. الجد ليام، الذي يؤدي دوره ببراعة إبراهيم الحساوي، يتصرف وفق رؤية غريبة عن المدينة، يرى في الحرب دلالة على نهاية العالم، فيسحب أسرته إلى صحراء قاحلة، في مشهد يشي برمزية العزلة والتحجر الفكري. هذا الانسحاب لا يكتفي بالجانب المكاني، بل يعكس نزاعًا داخليًا حادًا بين إرادة الأب وسيادة الحرية لدى الأبناء، ما يشي ببنية سردية متقنة تجمع بين الصراع النفسي والرمزية الاجتماعية.

يمتاز ليام بثراء طبقي وفكري، فهو مزيج متناقض من الصرامة والحنان، والروحانية والتشدد، ما يجعله شخصية مركبة، تتجاوز الانطباعات النمطية للأب القاسي. في مشهد مدهش، يهرع ليام لإنقاذ حفيدته المصابة بلدغة عقرب رغم الخطر المحدق به، في تأكيد على قدرة السينما السعودية على المزج بين التوتر الدرامي والعمق الإنساني، حيث يكون الفعل الأخلاقي محركًا رئيسًا للسرد.
تستثمر المخرجة عهد كامل امتداد الصحراء بإحساس فني دقيق، إذ يُصوّر الفيلم في مواقع طبيعية حقيقية بمدينة نيوم شمال جدة، مع التزام تام بدقائق النهار والليل، ما يعكس وحدة الزمن والمكان في البناء السينمائي ويضفي على الأحداث شعورًا بالغموض والتوتر. الصحراء، بما تحمله من قسوة وشحّ الموارد، تتحول إلى عنصر سردي رئيس، يجعل من العزلة والتهديد جزءًا من تجربة الشخصيات النفسية والاجتماعية.
من الناحية اللغوية، يأتي الفيلم متميزًا باستخدام اللهجة البدوية، مع الحرص على دقة النطق، واستحضار الأمثال الشعبية، وأسلوب الحياة في الصحراء، ما يمنح العمل طابعًا محليًا أصيلًا ويجعل منه مرجعًا سينمائيًا لتوثيق الحياة البدوية بعناصرها الاجتماعية والثقافية.
أما الموسيقى التصويرية التي أعدتها سعاد بشناق، فقد صممت لكل شخصية “ثيمة” موسيقية خاصة، تعكس التحولات النفسية من الرهبة والخوف، إلى البطولة والانكسار، مرورًا بالترقب والحماس، ما يحقق تناغمًا بين الصوت والصورة، ويجعل المشاهد يعيش التجربة على نحو متكامل.
على مستوى الأداء، يجمع العمل بين نخبة من النجوم السعوديين: مشعل المطيري، ميلا الزهراني، إبراهيم الحساوي، مطرب فواز، عبد الرحمن عبد الله، دريعان الدريعان، حمدي الفريدي، ريم فهد، ونورة الحميدي، في توليفة متقنة بين الأدوار الرئيسية والضيوف الشرف، ما يعكس تنوعًا تمثيليًا يثري البناء الدرامي ويكسب الأحداث ثقلًا وسلاسة في الانتقال بين الشخصيات والصراعات.
يتخلل الفيلم دلالة عميقة حول الحرية الفردية والتمرد على القسوة الاجتماعية، فالأبناء يرفضون سلطة الجد، ويحاولون الخروج من قيوده، في حين يظل ليام ممسكًا بخيط القيم القديمة، ما يجعل الصراع قائمًا على تباين القيم بين الأجيال، وهو محور يحمل أثرًا فلسفيًا في سياق الفيلم.
ختامًا، يبرز عام 2025 في السينما السعودية كعامٍ مفصلي في استكشاف أشكال السرد وتوظيف الفضاءات المحلية، حيث قدمت الأفلام مجموعة من الشخصيات والصراعات التي تحمل أصوات المجتمع المعاصر بأبعادها المتعددة. هذه الأعمال لا تُقدّم مجرد قصص، بل تُعيد صياغة العلاقة بين المشاهد والواقع، وتفتح نافذة على تجارب فنية تتجاوز المألوف، لتثبت أن السينما السعودية قادرة على إحداث أثر مستدام في الذائقة الفنية والثقافة البصرية.
للمزيد من الأخبار، انضموا إلى قناتنا على التلجرام وابقوا على اطلاع دائم بآخر الأخبار لحظة بلحظة.