في ظل تصاعد الضغوط الاقتصادية في اليابان وارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، تشهد الأسواق اليابانية تحولاً لافتاً في أنماط الاستهلاك، تمثّل في تزايد الإقبال على الأرز المستورد، حتى قبل أن يُطرح الملف ضمن النقاشات المتعلقة بالرسوم الجمركية بين اليابان والولايات المتحدة. فقد عمد عدد متزايد من المواطنين وأصحاب المطاعم إلى استبدال الأرز المحلي، مرتفع الثمن، بأصناف مستوردة أقل تكلفة، لا سيما الأرز الأميركي المزروع في كاليفورنيا، والذي يُعرف باسم “كالروز”.
وفي هذا السياق، أفاد أرأتا هيرانو، وهو مالك مطعم في طوكيو، بأنه لجأ إلى استخدام الأرز الأميركي بدلاً من المحلي بسبب فارق السعر الكبير، رغم أن سعر الأرز الأميركي قد تضاعف منذ شرائه أول مرة في صيف العام الماضي، إلا أنه لا يزال أرخص بكثير من الأرز الياباني، الذي تضاعفت أسعاره بفعل ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الطلب الناجم عن النمو في القطاع السياحي.
وفي ظل موجة تضخم تضرب الاقتصاد الياباني، تراهن شركات التوزيع على تقبّل المستهلك الياباني، المعروف بذوقه الحذر تجاه الأطعمة، للأرز المستورد كخيار عملي. فقد طرحت سلسلة متاجر “إيون” مزيجاً من الأرز الأميركي والياباني بنسبة 80 إلى 20، بسعر أقل بنسبة 10% من سعر الأرز المحلي، بعد أن أثبت نجاحه لدى العملاء خلال فترة تجريبية. كما بدأت مطاعم من سلسلة “ماتسويا” وشركة “كولوايد” في تقديم أرز أميركي خالص، بينما شهدت متاجر “سييو” تزايداً في الإقبال على الأرز التايواني.
تصفح أيضاً: باول: مجلس الاحتياطي الفيدرالي يترقب وضوح الرؤية وسط اضطرابات سياسية وتجارية قد تؤجج التضخم وتضعف النمو
وتأتي هذه التحوّلات في وقت بالغ الحساسية، حيث تتزامن مع بدء محادثات ثنائية بين اليابان والولايات المتحدة بشأن الرسوم الجمركية، بعد أن اتهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليابان بفرض رسوم تصل إلى 700% على واردات الأرز. وقد اعتبرت السلطات اليابانية هذه التصريحات “مؤسفة”، مشيرة إلى أن تلك التقديرات تستند إلى أسعار دولية قديمة ولم تعد معتمدة.
وعلى خلفية هذه التصريحات، تثار تساؤلات حول ما إذا كان ملف الأرز سيُطرح بجدية ضمن المفاوضات، خصوصاً في ظل السياسة اليابانية الحذرة في هذا المجال. فاليابان تفرض حداً أقصى لواردات الأرز المعفاة من الرسوم الجمركية يبلغ 100 ألف طن سنوياً، أي نحو 1% فقط من إجمالي الاستهلاك المحلي. ويشكّل الأرز الأميركي 60% من هذه الكمية، يليه الأرز الأسترالي، التايلاندي، والتايواني. أما ما يتجاوز هذا السقف، فيُخضع لرسوم جمركية صارمة تبلغ 341 ين لكل كيلوغرام، ما يعادل تقريباً النسبة التي أشار إليها ترامب.
وبينما تظل مواقف الحكومة اليابانية حذرة إزاء أي تغييرات قد تثير غضب المزارعين، وهم من القواعد الانتخابية الأساسية للحزب الحاكم، أوصت لجنة استشارية تابعة لوزارة المالية مؤخراً برفع سقف الواردات المعفاة من الرسوم الجمركية، معتبرة أن من شأن ذلك تحقيق قدر أكبر من الاستقرار في الإمدادات الغذائية.
وإلى جانب المطاعم والمتاجر، بدأت شركات التوريد تتجاوب مع هذا التحول في السوق. فقد أقدمت شركة “كانيماتسو” على استيراد شحنة غير مسبوقة من الأرز الأميركي بلغت 10,000 طن، وهي أول عملية استيراد بهذا الحجم، استجابة للطلب المتزايد من مطاعم ومتاجر كبرى وموزعين بالجملة، وفق ما أفاد به متحدث باسم الشركة.
ويُذكر أن أزمة نقص الأرز في اليابان عام 1993، التي استدعت استيراد كميات من الأرز التايلاندي، قوبلت حينها برفض شعبي واسع، أدى إلى تراكم كميات ضخمة من الأرز غير المباع. إلا أن المشهد اليوم يختلف، مع استعداد متزايد من جانب المستهلكين لتجربة الأرز المستورد، خاصة في ظل تدهور القدرة الشرائية. وقد صرّحت ميكي نييهي، إحدى الزبائن، بأنها لم تلاحظ أن الأرز الذي تناوله مطعمها المفضل ليس محلياً، مضيفة: “ليس لدي مشكلة في تناول الأرز المستورد، فمع ارتفاع الأسعار أبحث دوماً عن خيارات أقل تكلفة”.
ومع بلوغ أسعار الأرز في المتاجر اليابانية خلال الأسبوع المنتهي في 6 أبريل نحو 4,214 ين لكل 5 كيلوغرامات، أي ما يعادل 29.65 دولاراً، مسجلة ارتفاعاً متواصلاً للأسبوع الرابع عشر على التوالي، يبدو أن الاتجاه نحو الأرز المستورد لم يعد استثناءً، بل مؤشراً على مرحلة جديدة في ثقافة الاستهلاك الغذائي في اليابان