أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن مشروعه الدفاعي الجديد تحت مسمى “القبة الذهبية لأمريكا”، والذي يهدف إلى حماية الولايات المتحدة من التهديدات الخارجية عبر منظومة دفاعية متعددة الطبقات. غير أن المشروع الذي يُتوقع أن تبلغ تكلفته مئات المليارات من الدولارات، أثار انتقادات حادة من الصين التي اعتبرته تهديدًا لتسليح الفضاء وتسريع سباق التسلح العالمي.
وقد صرّح الرئيس ترامب، يوم الثلاثاء، بأن إدارته قد “اختارت هيكلية” للنظام الذي وصفه بـ”المتطور”، والذي من شأنه أن يكون الأول في تاريخ الولايات المتحدة الذي يتضمن وضع أسلحة في الفضاء. وأوضح من المكتب البيضاوي، وإلى جانبه وزير الدفاع بيت هيغسث، أن القبة الذهبية ستعتمد على تقنيات الجيل القادم المنتشرة عبر البر والبحر والفضاء، وتشمل مجسات واعتراضات قائمة في الفضاء.
وأكد الرئيس أن النظام سيكون قادرًا على اعتراض الصواريخ، حتى تلك المطلَقة من أقصى بقاع الأرض أو من الفضاء، مشددًا على رغبته في أن يكون المشروع جاهزًا للعمل قبل انتهاء ولايته. ويعتمد هذا المفهوم على قدرات أرضية وفضائية ترمي إلى رصد الصواريخ وتدميرها قبل إطلاقها، أو اعتراضها في المراحل الأولى من التحليق، أو إيقافها في منتصف الرحلة، أو تدميرها قبيل وصولها إلى الهدف.
وفي هذا السياق، أوضح الجنرال غريغوري غييو، قائد القيادة الشمالية الأمريكية، خلال إفادته أمام الكونغرس في شهر أبريل، أن المبادرة ستتضمن طبقات متعددة توسّع القدرات الحالية وتؤسس لبرامج جديدة لمواجهة كامل نطاق التهديدات الجوية. وذكر أن هناك طبقة خاصة بوعي المجال لتعقب التهديدات، بالإضافة إلى طبقتين أخريين: الأولى تتعلق بهزيمة الصواريخ الباليستية العابرة للقارات باستخدام معترضات أرضية موجودة حاليًا لمواجهة التهديدات القادمة من كوريا الشمالية، والثانية طبقة جوية للتصدي للصواريخ المجنحة والتهديدات الجوية الأخرى.
وأشار الجنرال المتقاعد فرانك ماكنزي، المساهم في شبكة “سي بي إس نيوز” والقائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية، إلى أن أفضل وقت لاعتراض صاروخ هو عند إطلاقه، حيث يكون مساره متوقعًا ولا يمكنه المناورة أو استخدام أنظمة خداع الرادار، وهو ما يجعل هذه المرحلة مثالية للتدمير. ولفت إلى أن تحقيق ذلك يتطلب منظومة قائمة في الفضاء، مضيفًا أن الأمر ممكن، وقد جرى بحثه سابقًا، معربًا عن أمله في أن يتجه التفكير والعلم الأمريكيان نحو هذه الوجهة.
من جانبه، أوضح توم كاراكو، مدير مشروع الدفاع الصاروخي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن هذا المشروع لن يكون عشوائيًا، بل سيعتمد على أسس راسخة من هندسة الأنظمة وفهم طبيعة التهديدات، إلى جانب الخطط المعمارية التي وُضعت منذ زمن بعيد.
وعن كلفة المشروع، أفاد الرئيس ترامب بأن القبة الذهبية ستُبنى في ولايات عدة مثل فلوريدا وجورجيا وإنديانا وألاسكا، بمشاركة عدد من الشركات الأمريكية الدفاعية والتقنية، والتي لم يتم اختيارها بعد. وقدّر مكتب الميزانية في الكونغرس أن مكونات المشروع الفضائية وحدها قد تبلغ تكلفتها 542 مليار دولار.
تصفح أيضاً: “سمو العقارية” تبرم اتفاقاً ضخماً مع “الوطنية للإسكان” لتطوير مشروع “أريم مكة” بقيمة 680 مليون ريال
وذكر الجنرال ماكنزي أن التكلفة تشكل تحديًا كبيرًا، إلا أن القدرة على حماية الولايات المتحدة من هجوم نووي — وليس بالضرورة هجومًا روسيًا شاملًا، بل تهديدات محتملة من كوريا الشمالية أو إيران أو حتى باكستان التي تعمل على تطوير صاروخ باليستي عابر للقارات — تجعل من المشروع أمرًا ممكن التحقيق وجديرًا بالتكلفة.
شركة لوكهيد مارتن، المختصة في الصناعات الفضائية والدفاعية، أعلنت عبر منصة X استعدادها لدعم مهمة القبة الذهبية، ووصفت المشروع بأنه “مفهوم ثوري”. وقال المدير التنفيذي للعمليات في الشركة، فرانك سانت جون، إن النظام سيحمي من الصواريخ النووية، بالإضافة إلى الصواريخ الباليستية المتوسطة المدى والصواريخ المجنحة وغيرها من التهديدات. وقد كلّف الرئيس ترامب الجنرال مايكل غيتلين من قوات الفضاء الأمريكية بالإشراف على تقدم المشروع.
مع ذلك، لا يزال المشروع في مرحلته المفاهيمية، بحسب وزير سلاح الجو تروي ماينك، الذي أوضح أمام مجلس الشيوخ يوم الثلاثاء أن التمويل اللازم لم يتم تخصيصه بعد، وأن وزارة الدفاع لا تزال تعمل على تطوير المتطلبات التي يجب أن يحققها النظام، وفق ما نقلته وكالة أسوشيتد برس.
ويعود أصل فكرة “القبة الذهبية” إلى الخطاب المشترك للرئيس ترامب أمام الكونغرس في مارس، حيث طالب بتمويل لهذا المشروع، مشيرًا إلى أن “إسرائيل تمتلكه، ودول أخرى تمتلكه، وينبغي للولايات المتحدة أن تمتلكه أيضًا”. وكان يشير بذلك إلى نظام “القبة الحديدية” الإسرائيلي الذي أُطلق عام 2011 بدعم أمريكي، ويُستخدم لصد القذائف قصيرة المدى، فيما تتولى منظومتان دفاعيتان أخريان مواجهة الصواريخ طويلة المدى. وقد اعترضت القبة الحديدية آلاف الصواريخ بمعدل نجاح تجاوز 90% بحسب السلطات الإسرائيلية.
وفي المقابل، أعربت الصين عن قلقها الشديد إزاء الخطة الأمريكية، إذ دعت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الولايات المتحدة إلى “التخلي عن تطوير ونشر نظام دفاع صاروخي عالمي في أقرب وقت ممكن”. وأضافت أن واشنطن، بسياسة “أمريكا أولًا”، تسعى لأمن مطلق على حساب الآخرين، ما يُعد انتهاكًا لمبدأ الأمن المشترك وتقويضًا للتوازن الاستراتيجي العالمي. واعتبرت أن خطة “القبة الذهبية” ترفع من احتمالية تحوّل الفضاء إلى ساحة معركة وتغذي سباق التسلح.
وفي هذا الصدد، وصف الجنرال ماكنزي التصريحات الصينية بأنها “ساخرة”، معتبرًا أن بكين قامت بخطوات أكثر من أي دولة أخرى نحو عسكرة الفضاء، وشدّد على أن نظام القبة الذهبية هو مشروع دفاعي بحت يهدف إلى حماية الولايات المتحدة من الهجمات.
وقد أظهر تقييم صادر عن وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية أن التهديدات الصاروخية التي ستواجهها الولايات المتحدة في العقد القادم ستزداد من حيث الحجم والتطور، مضيفًا أن الصين وروسيا تعملان على تطوير أنظمة إطلاق جديدة لاستغلال الثغرات في نظام الدفاع الأمريكي القائم.
وتواصل الصين تعزيز قدراتها الصاروخية والعسكرية، في الوقت الذي تعمّق فيه تعاونها مع روسيا. وأصدرت الدولتان بيانًا مشتركًا في وقت سابق من الشهر الجاري اعتبرتا فيه أن مشروع القبة الذهبية “مزعزع للاستقرار بطبيعته” ويمهد لتحوّل الفضاء إلى “ساحة للمواجهة المسلحة”.
واختتم كاراكو بالإشارة إلى أن المبادرة تمثل “إعادة توجيه متأخرة لسياسة الدفاع الصاروخي الأمريكية” لمواجهة كل من الصين وروسيا، وهما دولتان وصفتهما استراتيجيتا الدفاع الوطني في الإدارتين السابقتين بالمنافستين الاستراتيجيتين. أما الجنرال ماكنزي، فطرح تساؤلًا مفاده ما إذا كانت القبة الذهبية قد تدفع إلى موجة جديدة من تطوير الأسلحة الهجومية، وأجاب قائلاً إن ذلك “محتمل بالتأكيد”، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن الهدف يستحق السعي إليه.




