في قلب الرياض، وتحديدًا عند تقاطع طريقَي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز والأمير تركي بن عبدالعزيز الأول، ينهض «برج الفنون المسار الرياضي» كصرح فني فريد، لا يكتفي بأن يكون هيكلًا بصريًا مدهشًا، بل يتجسد كمنارة ثقافية تنبض بالحياة، حاملة بين طبقاته رؤية المملكة 2030 بكل ما تنطوي عليه من طموح وتحولات جذرية.
يمثل هذا المعلم أحد المحاور الأساسية في مشروع «المسار الرياضي» ضمن وجهة «البرومينيد»، وقد أُنجز بتحالف تصميمي ضم نخبة من المكاتب العالمية، في مقدمتها Coen Partners وTYPSA وEldorado Architects. وجاءت الفكرة نتاج شراكة استراتيجية بين فرق التصميم والفنان السعودي عبد الناصر غارم، الذي قاد المشروع لتحويل أحد أبراج النقل الكهربائي – التي تم إزالة أكثر من 150 برجًا منها – إلى صرح فني يحاكي نبض المجتمع ويجسد تطلعاته.
تحويل البنية التحتية إلى ذاكرة ثقافية
برج الفنون ليس إنشاءً هندسيًا تقليديًا، بل هو عملية إعادة تخيل شاملة لهوية البنية التحتية، حيث تم الحفاظ على أحد أبراج الكهرباء وإعادة تصميمه بالكامل ليغدو علامة إبداعية شاهدة على حيوية اللحظة السعودية الجديدة. وقد بلغ ارتفاع البرج 83.5 مترًا، وتوشحت واجهاته بـ691 لوحة ملوّنة، صُممت لتتفاعل مع الضوء الطبيعي والظلال، فتتغير ملامحها على مدار اليوم، كأنها تعزف لحنًا بصريًا متجددًا.
غارم وصف البرج بأنه “آلة للدهشة” و”مولّد للخيال”، مؤكداً أن كل شريحة فيه تمثل نغمة بصرية تنسج مع غيرها تنوعًا لونيًا يرمز إلى التعدد الثقافي والجمالي للمجتمع السعودي. واعتمد الفنان على المثلث – الشكل البسيط العميق الحضور في الحضارات – كعنصر تصميمي يوحّد الرؤية ويستحضر جذور الهوية.
تصفح أيضاً: “سمو العقارية” تبرم اتفاقاً ضخماً مع “الوطنية للإسكان” لتطوير مشروع “أريم مكة” بقيمة 680 مليون ريال
حوارٌ مع الطبيعة
عملية التصميم لم تكن محكومة بالمعايير الهندسية وحدها، بل كانت نتاج حوار صريح مع الرياح، التي فرضت واقعها على البنية وطالبت المعماريين بالإنصات. فتوزيع الشرائح وعددها جاء نتيجة تفاعل دقيق مع البيئة المحيطة، ما أضفى على البرج بُعدًا حيًّا غير صلب، كأنما يتنفس الهواء ويتبدل مع الطبيعة.
أيقونة مجتمعية لا مجرد مجسم
لا يكتفي برج الفنون المسار الرياضي بإبهار الناظرين، بل يدعوهم للتوقف، للتأمل، ولخوض تجربة تواصل إنساني. فهو يشكّل نقطة التقاء فريدة وسط شبكة المسارات الرياضية، ويعمل كبوصلة بصرية ومجتمعية في آنٍ معًا. يستضيف فعاليات، يثير الأسئلة، ويمنح الزائرين فرصة للانخراط في فضاء إبداعي مفتوح، يتجاوز حدود الفن إلى آفاق التربية البصرية.
تجسيد لرؤية وطن
البرج، كما يراه غارم، مرآة للرؤية الوطنية الكبرى. فرؤية 2030 التي فجّرت الطاقات السعودية الكامنة في شتى القطاعات، تترسخ هنا كقيمة جمالية ملموسة. فالتحول في دور الفن – من كماليات إلى بنية تحتية – يعكس وعي الدولة بأهمية الثقافة كأداة استراتيجية للتنمية والهوية.
وفي هذا السياق، صرح القيم الفني ناتو طومسون بأن البرج يُعد تجسيدًا حيًا لتحول المملكة نحو دعم البنية التحتية الثقافية، ودمج الفنون في عمق التخطيط الحضري، معتبرًا أن ما كانت تمثله الطاقة قديمًا باتت تمثله الثقافة اليوم: قوة قادرة على التغيير.