أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الثاني من أبريل 2025 عن فرض مجموعة جديدة من الرسوم الجمركية تحت مسمى “يوم التحرير”، والتي تشمل فرض رسوم بنسبة 10% على جميع الواردات، مع فرض رسوم أعلى على بعض الدول مثل الصين (34%) والاتحاد الأوروبي (20%). وقد أثار هذا الإعلان ردود فعل قوية في الأسواق المالية، بما في ذلك سوق العملات المشفرة، حيث بدأ التأثير الفوري في أسعار هذه العملات.
تستهدف هذه الإجراءات زيادة تكلفة الواردات، مما سيؤدي بدوره إلى زيادة الأسعار الاستهلاكية، في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة تحديات في السيطرة على التضخم. وفي الوقت نفسه، أثار هذا الإعلان قلقاً متزايداً بشأن الركود الاقتصادي، حيث أظهرت أسواق التنبؤ احتمالية تتجاوز 50% لتعرض الاقتصاد لانكماش في المستقبل القريب. ولقد تأثرت العملات المشفرة الكبرى مثل البيتكوين والإيثيريوم والسولانا، حيث شهدت هذه العملات انخفاضاً حاداً في قيمتها بعد الإعلان.
التأثير المباشر للرسوم الجمركية على العملات المشفرة
بعد إعلان الرئيس الأمريكي، شهدت أسواق العملات المشفرة هبوطاً كبيراً في قيمتها. حيث انخفض سعر البيتكوين من حوالي 88,000 دولار إلى 82,000 دولار في غضون ساعات قليلة. في المقابل، تراجعت أسعار بعض العملات المشفرة الأخرى مثل:
إيثيريوم (ETH): انخفض من 1,934 دولار إلى 1,797 دولار.
XRP: انخفض من 2.21 دولار إلى 2.03 دولار.
كما أثرت الرسوم الجمركية على الأسهم المرتبطة بالعملات المشفرة. فقد شهدت أسهم شركة “استراتيجية” (المعروفة سابقاً باسم “مايكروستاتيجي”) تراجعاً بنسبة 7%، في حين انخفضت أسهم “كوينباس” بنسبة 6%، و”روبن هود” بنسبة 9%. هذا التراجع في السوق يعكس القلق الكبير لدى المستثمرين من أن الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى تفاقم التضخم وزيادة احتمالية الركود، ما يضعف استقرار الأسواق المالية بشكل عام.
تزايد المخاوف الاقتصادية من الرسوم الجمركية
إن فرض الرسوم الجمركية قد زاد من حالة القلق بشأن التضخم والنمو الاقتصادي البطيء، حيث أن هذه الرسوم من المرجح أن ترفع أسعار السلع المستوردة، مما يضغط على المستهلكين. وقد تزايدت المخاوف بشأن وقوع ركود اقتصادي، ما دفع الأسواق إلى اتخاذ موقف حذر. وقد تجلى ذلك في تراجع واضح في أسعار العملات المشفرة، وهو ما يعكس القلق العام بشأن المستقبل الاقتصادي.
تتمثل أبرز الأسباب التي ساهمت في تزايد المخاوف في:
زيادة التوترات التجارية: يمكن أن يؤدي فرض الرسوم الجمركية إلى تصعيد التوترات بين الدول الكبرى، مما يعرقل التجارة العالمية ويزيد من عدم اليقين في الأسواق.
تأثير التضخم: من المرجح أن تؤدي هذه الرسوم إلى زيادة أسعار السلع، مما يقلل من القوة الشرائية ويؤثر سلباً على النشاط الاقتصادي.
الضغط على السيولة: بدأ المستثمرون في سحب الأموال من الأصول ذات المخاطر العالية، مثل العملات المشفرة، وتحويلها إلى أصول أكثر أماناً في ظل هذه الظروف الاقتصادية غير المستقرة.
تصفح أيضاً: جولدمان ساكس تتراجع عن توقعات الركود عقب قرار ترامب تعليق التعريفات الجمركية
التأثير الطويل الأمد على سوق العملات المشفرة
يتوقع الخبراء أن تستمر الأسواق في التقلبات العالية بسبب هذه السياسات الجمركية، والتي تزيد من حالة عدم اليقين في الأسواق المالية. فمع تزايد القلق بشأن المخاطر الاقتصادية والركود المحتمل، من المرجح أن يستمر تراجع الأسعار في أسواق العملات المشفرة.
لا يقتصر تأثير هذه الرسوم على العملات المشفرة فقط، بل يتعداه إلى الأسواق المالية الأخرى مثل:
الأسواق المالية التقليدية: خاصة في القطاعات التي تعتمد على الواردات، مثل شركات السيارات والتكنولوجيا، والتي من المحتمل أن تواجه صعوبات في الحفاظ على مستويات الربحية.
أسواق الفوركس: حيث من المتوقع أن يشهد الدولار الأمريكي زيادة في قوته في المدى القصير، في حين قد تشهد العملات الأخرى تراجعات.
أسواق السلع: من المتوقع أن تشهد أسعار الذهب والفضة ارتفاعاً، مع اتجاه المستثمرين إلى الأصول الأكثر أماناً.
التاريخ الاقتصادي للرسوم الجمركية وتأثيراتها على الأسواق المالية
تاريخياً، كان للرسوم الجمركية تأثيرات كبيرة على الاقتصاد العالمي، حيث أثبتت تجارب سابقة أنها تؤدي إلى تقلبات حادة في الأسواق الاقتصادية. فمن الأمثلة على ذلك:
قانون سموت-هالي (1930): الذي أدى إلى رفع الرسوم الجمركية بشكل حاد، مما ساهم في تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية والكساد الكبير.
تخفيض الرسوم الجمركية بعد الحرب العالمية الثانية: ساهمت اتفاقيات مثل “اتفاقية الجات” في خفض الرسوم الجمركية، مما أدى إلى تعزيز التجارة الدولية وزيادة النمو الاقتصادي.
سياسات الرئيس نيكسون في السبعينات: حيث شهدت الولايات المتحدة فترة تضخم اقتصادي بسبب قراراته الاقتصادية، بما في ذلك تعليق تحويل الدولار إلى الذهب.
الاستنتاجات الاستراتيجية للمستثمرين
في ظل هذه الظروف الاقتصادية المتقلبة، ينصح الخبراء المستثمرين بتطبيق استراتيجيات مثل “استراتيجية متوسط التكلفة بالدولار” (DCA) في شراء العملات المشفرة أثناء الانخفاضات، مما يتيح لهم تقليل متوسط تكلفة الدخول على المدى الطويل. كما يوصون بالتركيز على العملات الرقمية التي تتمتع بأسس قوية، مثل البيتكوين والإيثيريوم، والتي تظل في بؤرة اهتمام المؤسسات المالية.
وفي ذات الوقت، من الضروري مراقبة التحولات الاقتصادية الكبرى، مثل قرارات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والمفاوضات التجارية بين الدول، والتطورات الخاصة بمعدلات التضخم، حيث أن هذه العوامل ستظل تؤثر بشكل كبير على أسواق العملات المشفرة.
المصادر:
Bloomberg Markets, “The Impact of Tariff Hikes on Global Markets,” April 2025.
Financial Times, “Cryptocurrency Volatility Amid Economic Uncertainty,” April 2025.
Reuters, “US Tariff Increase and Its Economic Ramifications,” April 2025.