أكدت السلطات المحلية في ولاية تكساس أن حصيلة ضحايا الفيضانات المفاجئة التي ضربت وسط الولاية ارتفعت إلى 43 قتيلاً، بينهم 15 طفلاً، بينما تتواصل عمليات البحث المضنية عن عشرات المفقودين من المخيمين والمصطافين والسكان المحليين، في كارثة طبيعية فاجأت الجميع دون سابق إنذار.
ويُتوقع أن ترتفع الحصيلة بشكل إضافي، في ظل تسجيل وفيات خارج مركز الكارثة في مقاطعة “كير”، إذ أفاد مسؤول في مقاطعة “ترافيس” بسقوط أربعة قتلى وفقدان 13 شخصاً، كما سجلت حالة وفاة أخرى في مقاطعة “كندال”. هذا فيما أشارت بعض وسائل الإعلام إلى أن عدد الضحايا قد يكون بلغ 52 قتيلاً، غير أن وكالة “رويترز” لم تتمكن من التحقق من صحة هذه الأرقام.

وقد أنقذت فرق الطوارئ أكثر من 850 شخصاً، بينهم من كان يتشبث بالأشجار، بعدما شهدت منطقة نهر “غوادالوبي”، الواقعة على بعد نحو 140 كيلومتراً شمال غرب مدينة سان أنطونيو، عاصفة مفاجئة أسفرت عن تساقط أمطار بلغ منسوبها 38 سنتيمتراً خلال فترة وجيزة.
وفي خضم عمليات الإنقاذ، أفاد مدير بلدية مدينة “كيرفيل”، دالتون رايس، أن من بين المفقودين 27 فتاة كنّ في مخيم صيفي تابع لمعسكر “ميستيك”، مرجحاً أن يكون هناك مفقودون آخرون لم تُعرف أعدادهم بعد، قائلاً: “لدينا 27 مفقوداً تم تأكيدهم، لكننا لا نستطيع تحديد عدد آخر لأننا ببساطة لا نعرف”.
تصفح أيضاً: عاصفة هاركان رافائيل توقف 28% من إنتاج النفط الخام و17% من إنتاج الغاز الطبيعي في خليج المكسيك الأمريكي
وتحولت الكارثة إلى مشهد مأساوي خلال صباح الجمعة، بعدما فاقت كمية الأمطار التوقعات، وارتفع منسوب النهر إلى نحو تسعة أمتار. وصرّح القاضي المحلي في مقاطعة كير، روب كيلي، بأن “الجميع يعلم أن الأنهار قد تفيض، لكن أحداً لم يكن يتوقع ما حصل”، في إشارة إلى سرعة تفاقم الفيضانات وخطورتها. فيما أعلن قائد شرطة المقاطعة، لاري لايثا، أن 17 من بين القتلى، بينهم خمسة أطفال، لم تُحدد هوياتهم بعد.
في السياق ذاته، أعلنت هيئة الأرصاد الجوية الوطنية أن حالة الطوارئ المتعلقة بالفيضانات قد انحسرت إلى حد كبير في مقاطعة كير، عقب العواصف التي تسببت في تساقط ما يفوق نصف المعدل السنوي المعتاد من الأمطار في تلك المنطقة. ورغم ذلك، لا تزال التحذيرات من الفيضانات قائمة حتى الساعة السابعة مساءً بتوقيت المنطقة.


وتقع مقاطعة كير في منطقة “هِل كنتري” بولاية تكساس، المعروفة بتضاريسها الوعرة ومدنها التاريخية ومواقعها السياحية. وأفاد نائب حاكم تكساس، دان باتريك، أن عدداً غير معلوم من الزوار توافدوا إلى المنطقة للاحتفال بعيد الاستقلال قرب النهر، مضيفاً: “لا نعلم عدد الذين كانوا في خيام أو مقطورات صغيرة أو منازل مستأجرة على ضفاف النهر”.
وكان معسكر “ميستيك”، وهو معسكر مسيحي للفتيات يعود تاريخه إلى ما يقرب من قرن، يضم نحو 700 فتاة عند وقوع الكارثة. وبعد يوم من الفيضانات، بدا المعسكر وكأنه تعرض لإعصار، حيث ارتفعت آثار المياه داخل أحد الكبائن إلى أكثر من مترين، وتناثرت الأَسِرّة والمقتنيات الشخصية المغطاة بالطين، كما تحطمت نوافذ بعض المباني وفُقدت جدران أخرى.
وفي معسكر آخر للفتيات في المنطقة، يُعرف باسم “هارت أوف ذا هيلز”، أعلنت إدارة المعسكر على موقعها الإلكتروني أن الشريكة المالكة “جين راغزديل” لقيت حتفها في الفيضانات، لكنها أكدت في المقابل عدم وجود أي فتيات وقت وقوع الحادث، نظراً لانتهاء الدورة الصيفية.
وفي بلدة “كومفورت”، الواقعة على بُعد نحو 64 كيلومتراً من معسكر “ميستيك”، اقتُلعت أشجار عملاقة، بعضها يزيد ارتفاعه عن 18 متراً، وتبعثرت على ضفاف النهر، ما أدى إلى إغلاق طرق رئيسية. وبينما بقي الطريق السريع بين سان أنطونيو والمناطق المتضررة سالكاً، تضررت بعض الجسور ذات المسارين بشدة جراء المياه.
ورصد مصوّر لوكالة رويترز قرابة عشر سيارات، بعضها تحطم زجاجها الأمامي أو فُتحت أبوابها بالقوة، وقد جرفتها مياه الفيضانات واستقرت قرب النهر في حالة مهجورة. وقالت “تونيا فوتشي”، وهي سيّدة أميركية تبلغ من العمر 52 عاماً وتزور جدتها في “كومفورت”: “أنا في حالة صدمة كاملة، لا أستوعب ما حدث حتى الآن. مشاهد الإنقاذ، والمروحيات، والعائلات التي لا تعرف مصير أبنائها… لا يمكن تصوّر النهاية، فسرعة المياه لم تكن تسمح لأحد بالنجاة”.
وأظهرت مقاطع فيديو نُشرت عبر الإنترنت منصات خرسانية فارغة حيث كانت المنازل قائمة، وأكواماً من الأنقاض على ضفاف النهر، فيما شارك رجال الإنقاذ في عمليات انتشال السكان من الأسطح والأشجار، وشُوهدت فرق تتشكل من سلاسل بشرية لإخراج المحاصرين من مياه الفيضان، بحسب ما نقلته وسائل إعلام محلية.
من جانبه، صرّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بأنّه وزوجته ميلانيا يصلّيان من أجل الضحايا، مؤكداً أن “فرق الطوارئ الشجاعة تقوم بواجبها على أكمل وجه”. وأعلن حاكم ولاية تكساس، غريغ أبوت، خلال مؤتمر صحفي، أنه طلب من ترامب إعلان حالة كارثة طبيعية، ما يتيح تقديم مساعدات فدرالية للمتضررين، وهو ما أكده وزير الأمن الداخلي، كريستي نويم، مشيراً إلى أن الرئيس سيوافق على الطلب.
ورغم ذلك، فإنّ ترامب كان قد طرح في وقت سابق خططاً لتقليص دور الحكومة الفدرالية في التعامل مع الكوارث الطبيعية، من خلال تحميل الولايات أعباءً أكبر في الاستجابة للأزمات. وفي هذا السياق، قالت نويم إن نشرة الأرصاد التي صدرت يوم الخميس وصنفت الوضع بأنه “فيضان معتدل”، لم تعكس الواقع الكارثي للكمية الهائلة من الأمطار. وأضافت أن إدارة ترامب تعمل على تطوير منظومة الإنذار المبكر.
إلى ذلك، أوضح المدير السابق للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)، ريك سبينراد، أن التخفيضات التي طالت آلاف الوظائف في الوكالة أثرت سلباً على مراكز الأرصاد، التي باتت تعاني نقصاً في الكوادر. ورغم أنه لم يجزم بوجود علاقة مباشرة بين تلك التخفيضات وقصور التحذير من فيضانات تكساس، إلا أنه حذّر من أن استمرار هذا النقص سيؤثر حتماً على دقة التنبؤات وسرعتها، قائلاً: “قدرة الناس على الاستعداد للعواصف ستتراجع، وهذا بلا شك سيؤدي إلى مزيد من الخسائر في الأرواح والممتلكات”.
نُشر الخبر نقلاً عن وكالة رويترز، 6 يوليو 2025